للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما "إنّ" وأخواتها فإنها تختصّ بالجمل الاسمية، لكن أشبهت الأفعال، فصار لها منصوبٌ ومرفوعٌ كالأفعال، ونقصتْ درجتُها عن درجة الأفعال، فقدّمَ منصوبُها لذلك، ولأنه أخفّ، ولأن الخبر يكون غيرَ اسمٍ، مثل الجار والمجرور به، فلا يظهر فيه النصب، بل قد يقدَّم على الاسم.

وأما باب "ظننت" وأخواتها فإنها أفعالٌ، تُستعمل تارةً مع الاقتصار على الفاعل، وتارةً يُذكرَ معها المفعولاتُ، ولكن تعلق على العمل إذا تصدر ماله صدر الكلام، فلا يعمل ما قبله فيما بعده، مثل لام الابتداء وحروف الاستفهام، وما الناقصة، كقوله تعالى: ({ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا (١٢)} (١)، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ} (٢). وتارةَ تُلغَى عن العمل إذا قدم المفعولات أو وسط الفعل بينهما، كقولك: "زيد منطلق ظننتُ"، والإلغاءُ هاهنا أحسن، وقولك "زيدٌ ظننتُ منطلق".

وكان الفرق بين باب "ظننتُ" وباب "كسوت" أن المفعولين هاهنا المبتدأ والخبر، بخلاف باب كسا، فإن الثاني غير الأول، ولهذا يجوز في باب كسا الاقتصار على أحد المفعولين، بخلاف باب ظننتُ، فإنه لا يجوز ذلك فيه، كما لا يجوز الاقتصار على المبتدأ دون الخبر.

وقد تبين أن المبتدأ وخبره مع نواسخه قد استوعبت الأقسام الممكنة، فإنهما إما مرفوعان، كما إذا تجرَّدا عن العوامل اللفظية؛ وإمّا منصوبان، وهو باب ظننتُ، إذ الأول مرفوع، وهو باب "كان"؛


(١) سورة الكهف: ١٢.
(٢) سورة البقرة: ١٠٢.