للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم إنّ تلك الطرق البدعيّة لها لوازم، فاحتاج من استدلّ بها أن يلتزمَ لوازمَها، فإنّ ثبوت الملزوم بدون اللازم ممتنع. وكانت لها لوازم تُناقض كثيرًا مما جاء به الرسول، فصار هؤلاء يريدون إثبات صدق [ق ١٨٤] الرسول بما يستلزم تكذيبَ الرسول. وصار كثير من الناس الذين عرفوا أنَّ طرقَهم طرقٌ مبتدعَة في الشرع، يعتقدون أنها مع ذلك طرق صحيحة تُعرف صحتها بالعقل، وإن لم تكن طرقًا شرعية. ورأوا معارضتها لكثير مما أخبر به الرسول، فصاروا حائرين إن أبطلوا (١) تلك الطرق ظنوا أنهم أبطلوا الأصول العقلية التي ثبت بها صدق الرسول، وإن صحَّحوها لزمهم تكذيب كثير مما جاء به الرسول.

فمن صحح تلك الطرق التزم إما تحريف ما جاء به الرسول، وإما الإعراض عن تدبّره وفهمه.

وأما من كان له خبرة بحقائق تلك الطرق المبتَدَعَة (٢)، فإنه علم أنها ــ كما هي بدعة في الشرع فهي باطلة ــ ليست أصولًا للعلم بما جاء به الرسول، بل هي مناقضة لما جاء به الرسول، مع مناقضتها لصريح المعقول، وهم زعموا أنهم أثبتوا بها أنّ الله خالق لهذا العالم، وأنه قادرٌ عالمٌ، وأنه متكلمٌ، فيكون إرساله للرسول ممكِنًا مقدورًا.

ومن كان له خبرة بحقائق الصفات علم أن العلم بكون الرب خالقًا


(١) الأصل: "بطلوا".
(٢) الأصل: "من المبتدعة" ولعله ما أثبت.