للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للمأمور به، أي طلقوا بواحدة ليكون لكم سبيل إلى الرجعة، ولا تطلقوا بثلاث فلا يكون لكم سبيل إلى الرجعة. وهذا إنما يصحّ أن لو كانت الثلاث تقع بكلمة واحدةٍ، فإن كانت الثلاث تقع هكذا صحَّ أنَّه تعليل للمأمور به، لكن لا يثبت أنه تعليل للمأمورِ به حتى يثبت أنه تَقع الثلاث المجموعة؛ فإذا استدلوا به عليه لم يلزم أنه تقع الثلاث المجموعة حتى يثبت أنه هذا تعليل للمأمور به، وهذا دَورٌ يَمنَعُ صحةَ الدلالة.

وذلك أنه يجوز أن يكون هذا تعليلاً لنفس الأمر والشرع، والمعنى أن الله شرع لكم أن تُوقِعوا واحدةً وأمركم بذلك، ولم يشرعْ لكم أن توقعوا الثلاث مجموعةً، فإنه لو شَرع لكم ذلك أفضى (١) إلى الندم.

ومعلوم أنه إذا لم يشرع إيقاع الثلاث بكلمة واحدةٍ، بل نهى عن ذلك، ولم يجعل الثلاث ..... في هذا أبلغ في عدم الندم، فإنه لو نهى عنه وأوقعوه إذا تكلموا به فقد يكون فيهم من يعصي النهي، وقد يكون فيهم من لا يَبلغُه، فيقع في الندم، فإذا لم يجعله مشروعًا بحال كان هذا أبلغ في انتفاء المفسدة.

وأيضًا فإن القرآن إنما يُعلِّل شرعَ الله الذي شرعَه لعباده، والشرع المذكور إذا كان تحريمًا للزيادة وإبطالاً لها كان ذلك أبلغَ في تحصيل مقصودِ الشارع في الحكم وفي حكمته، بخلاف ما إذا كان تعليلاً لمجرد النهي. وهذا كما أنه لو نهى أن تُنكَح المرأةُ على عمتها وعلى خالتها، وقال: "إنكم إذا فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم" (٢)، كان هذا


(١) كذا في الأصل.
(٢) أخرجه أحمد (١/ ٣٧٢) وأبو داود (٢٠٦٧) والترمذي (١١٢٥) عن ابن عباس.