يُزِيل الملك بالطلاق، والتحريمُ الذي تزيله الكفارة لا ينافي الشرع، فإن المرأة قد تحرم على زوجها إلى غايةٍ، كتحريم المُحرِمة والصائمة والمعتكفة، وتحريمُ الحلال يُوجب كفارةً على ظاهر القرآن، وهو أحد قولَي العلماء. وإنما نُهِي عَن الظهار لاشتماله في نفسه على القول المنكر والزور، وهذا المعنى لا يمكن إبطالُه بعد وقوعه، كما أن من نُهِيَ عن الكذب وشهادةِ الزور فكذَب وشَهِد بالزور لا يمكن أن يقال: ما كذَبَ ولا شهد بالزور، وكذلك من نُهِيَ عن الكفر والقذفِ فكَفَر وقذفَ لا يمكن أن يقال: إنه ما وَقَع منه كفر ولا سب، فكذلك الظهار، لكن كانوا في الجاهلية وأول الإسلام يجعلونه طلاقًا مُزِيلاً للملك، فرفع الله ذلك، ولم يجعله مزيلاً للملك، بل للرجل أن يمسك المرأة إن شاء ويطأها إذا كفر.
ثمَّ قال الشافعي: موجبه إما إزالة الملك بالطلاق، وإما التكفير. وقال الجمهور مالك وأبو حنيفة وأحمد: بلْ موجبُه الامتناع من الوطء أو التكفير، فجعلوه يشبه اليمين التي يكون موجبُها إمّا الامتناع من فعل المحلوف عليه وإما التكفير، لكن الكفارة في الظهار تجب قبل العَود، لأن الظهار محرَّم، لاشتماله على منكرٍ من القول والزور، فلم يكن له أن يطأها حتى يأتي بالتَحِلَّة التي فرضها الله له، وكان ما رفعه الله من إيقاع الطلاق بالظهار كما كانوا عليه في أول الأمر دليلاً على أنه ليس كل لفظٍ قُصِدَ به الطلاق يَقعُ به الطلاقُ، فإن هذا اللفظ كانوا يقصدون به الطلاق، ثم لم يُوقع الله به الطلاقَ، بل نَسخَ ما كانوا عليه. ولابدَّ لهذا من سبب يُوجبُ الفرق بينَه وبين لفظ الطلاق. فلما كان مَن أوقعَ الطلاقَ بلفظه يَقعُ ومن أوقعَ بلفظ الظهار لا يقعُ-: لم يكن بدٌّ من الفرق بينهما في نفس الأمر.