للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم منهم من فرَّق بين من يزول عقله بسبب يُشْتَهى كالخمر، وسبب لا يُشتهى كالبنج، وهذا قول أصحاب أبي حنيفة، وهو المنصوص عن أحمد، [ومنهم من لم يُفرِّق] (١) كالشافعي، وهو قول طائفة من أصحاب أحمد كأبي الخطاب. وبكلِّ حال فإذا صحا من سُكْره وتاب مما قال تاب الله عليه باتفاق العلماء.

فمن خرج في سُكْره إلى شطحٍ هو كفر، وكان زوال عقله بسبب يُعْذَر فيه فلا إثم عليه. وإن كان بسبب محظور ثم تاب تاب الله عليه. وأما من أصرَّ على ذلك في حال صحوه وحضور عقله، فهذا كافر زنديق باطنًا وظاهرًا، وهذا هو الذي ثبت في حال الحلَّاج وأمثاله. وقد عُلِم أنه قُتِل على الزندقة، فإذا تاب قبل أن يموت فيما بينه وبين الله [تاب الله عليه] (٢) باتفاق المسلمين، وهذا مما يُشكّ فيه في حال الحلّاج، فإنه يمكن أن يكون قبل الموت تاب فيما بينه وبين الله، ويمكن أنه لم يتب، فإن تاب قَبِل الله توبته على صالح عمله.

وأيضًا فالزندقة ليست صفة لازمةً للعبد، فقد يكون في حال مؤمنًا وفي حال منافقًا، ففي حال نفاقه متكلم بالكفر وفي حال إيمانه يتوب منه. وهذا الحال يشبه حال أبي العلاء المعرِّي وأمثاله ممن ثبت عنه أنه


(١) الأصل: "عن أحمد على قوله بأن الشافعي" وما أثبته يستقيم به السياق، وانظر "مجموع الفتاوى": (١٤/ ١١٧ ــ ١١٨).
(٢) زيادة يستقيم بها السياق.