وإنما جاءت الرخصة في السلم والحرب خاصة؛ لأن هذين الموطنين مبناهما على تأليف القلوب وتنفيرها، فإذا تألفت فهي المسالمة، وإذا تنفَّرت فهي المحاربة، والتأليفُ والتنفير يَحصُل بالتوهُّمات كما يَحصُل بالحقائق، ولهذا يؤثِّر قول الشعر في التأليف والتنفير، بحيث يُحرِّك النفوسَ شهوةً ونفرةً تحريكًا عظيمًا وإن لم يكن الكلامُ منطبقًا على الحق، لكن لأجل تخييلٍ أو تمثيل. فلما كانت المسالمة والمحاربة الشرعية يقوم فيها التوهمُ لما لا حقيقة له، والباطنُ لم يعن إلا الحقَّ= صار ذلك صفاءً وصدقًا عند المتكلم، وموهمًا للمستمع توهُّمًا يؤلِّفه تأليفًا يحبه الله ورسولُه، أو يُنفِّره تنفيرًا يحبُّه الله ورسولُه، بمنزلة تأليفه وتنفيره بالأشعار التي فيها تخييلٌ وتمثيلٌ، وبمنزلة الحكايات التي فيها أمثال مضروبة، فإن الأمثال المنظومة والمنثورة إذا كانت حقًّا مطابقًا فهي من الشعر الذي هو حكمة، وإن كان فيها تشبيهاتٌ شديدة وتخيلات عظيمة أفادت تأليفًا وتنفيرًا.