ثم قد يُستَدلّ على نقيض ذلك بأن علة تحريم الطلاق في الحيض هي إطالة العدَّة عليها عند كثير من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد، وعلَّله آخرون من أصحاب أبي حنيفة وأحمد بأن الحيض زمن النفرة عن المرأة والزهد فيها، والطهر زمن الميل إليها والرغبة فيها. وبالجملة فلا بُدَّ لهذا الحكم من علَّةٍ، وقد بحثوا عن الأوصاف الثابتة في محل الحكم، فلم يجدوا وصفًا مناسبًا إلاّ هذا أو هذا، والسَّبْرُ مع المناسبة والاقتران من أقوى الطرق التي تثبت بها العلَّة.
وإذا كانت العلَّة ما ذكره الأولون، فإذا وقع الطلاق فإنما يُؤمر به لإزالة تلك المفسدة، والأيمان كانت لا تزول، فلا فائدة في الأمر بالمراجعة.
والفقهاء لهم في وجوب المراجعة قولان هما روايتان عن أحمد، ولهم في ارتجاعها في الحيضة التي تلي ذلك الطهر قولان هما روايتان عن أحمد (١). ومن قال: إن الرجعة لا تجب، وإنها تُشْرَع في الطهر الذي يلي الحيضة، لم يكن في الأمر بالرجعة عنده فائدة، ولا زال بها مفسدة طلاق الحيض، بل ذلك أشدُّ في الضرر عليها، فإنه يرتجعها وهو في الحيض لا يطأها، ثمّ يُطلّقها في الطهر الأول، فيحتاج إلى استئناف العدَّة عليها، فيزداد الطول والضررُ. وهذا أشهر القولين. ومن قال: إنها تبني لم يكن في الارتجاع عنده فائدة؛ ومن قال: لا يطلّقها إلاّ في الطهر الثاني فإنه لا يُوجِب وطئها في الطهر
(١) بعده في الأصل بياض بقدر ثلاث كلمات، ومكتوب عليه: "كذا".