للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقوله: "وهو يعرف تأويله" يُشبه قوله: "وعلِّمْه التأويلَ" (١)، إذ قد يقال: ظاهرهما العموم وقد يدَّعى الاختصاص بالأمر والنهي وقد خالفه التأويل. وهو مثل حديث سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا} الآية [الأنعام: ٦٥]، قال: "إنها كائنةٌ، ولم يأتِ تأويلُها بعدُ" (٢). لكن ليس فيه أنه كان يعلم هذا التأويل.

لكن يقال: الخبر عما كان في الدنيا مثل قصص الأنبياء ومن آمن بهم ممن لديهم عَلِمَ تأويلَها العلماءُ، إذ لم يبق لها مخبر آخر يجيء فينتظر، وإن لم يعلم معاينةً فله نظير علم منتظر، وكذلك ما سيكون في الدنيا من حوادث فإن علم تأويلها قبل كونه مثل علم تأويل تلك بعد كونه ..... (٣) الأمور الحاضرة، والخبر عن الملائكة والجن والنار، فهذا من الخبر عما سيكون.

ومما ينبغي أن يُعرف أن نفس علم التأويل ليس عامًّا في الدنيا والآخرة، فإنه ما من شيء أخبرنا به في القرآن إلّا ولا بدَّ [أن] نعلمه. فقوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ} إذا وقف هنا لا يراد به: لا نعلمه مطلقًا؛ لأن الناس لابدّ أن يعلموه في الآخرة، حتى أن ي


(١) أخرجه أحمد في المسند (١/ ٢٦٦) عن ابن عباس. وإسناده صحيح.
(٢) أخرجه أحمد (١/ ١٧٠) والترمذي (٣٠٦٦). وإسناده ضعيف.
(٣) هنا كلمة مطموسة. ولعلها "يعاين".