وقوله سبحانه وتعالى:{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ}[الأنعام: ١٤٩]، هل يدل على أنه كان يحصل لهم الهدى في آن واحد؟ أو يجتمعون على الهدى وإنْ تعددت أوقات هدايتهم؟
وقد يقال: أجمعون يستعمل في هذا وهذا بدليل قوله تعالى: {وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ}[الشعراء: ٦٥]، وقوله تعالى في أصحاب الصيحة:{أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ}[النمل: ٥١] ولا ريب أنهم اجتمعوا في الهلاك، وأنَّ قوم موسى اجتمعوا في النجاة.
ومنه قوله تعالى حكايةً عن يوسف عليه [الصلاة و] السلام: {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}[يوسف: ٩٣]، فلم يرد بهذا أنْ يجتمعوا عنده وإنْ جاؤوا واحدًا بعد واحد، وإنما أراد اجتماعهم في المجيء إليه وأنْ لا يتخلف منهم أحد، وهذا يُعْلَمُ بالسياق والقرينة.
ومن القرينة الدالة على ذلك في قصة الملائكة لفظًا ومعنى أنَّ قوله تعالى:{كُلُّهُمْ}، يفيد الشمول والإحاطة، فلابد أنْ يفيد أجمعون قدرًا زائدًا على ذلك، وهو اجتماعهم في السجود.
وأما المعنى، فلأنَّ الملائكة لا يتخلف أحدٌ منهم عن امتثال الأمر ولا يتأخر عنه، ولا سيما وقد وقّت لهم بوقتٍ وحدّ لهم بحدٍّ، وهو التسوية ونفخ الروح، فلما حصل ذلك سجدوا كلهم عن آخرهم في آنٍ واحدٍ، ولم يتخلّف منهم أحد، بل أتوا بالسجود على الفور، فلزم