للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُدْبِرِينَ} [التوبة: ٢٥]، فكثير من النحاة يعتقدون أنَّ هذه حال مؤكدة، ويقسم الحال إلى ثلاثة أقسام: مؤكدة، ومثنية، ومقدرة، ويجعل «ولَّى مدبرًا» من الحال المؤكدة.

وهذا غلط، فإنَّ الحال المؤكدة مفهومها مفهوم عاملها، وليس كذلك التولية والإدبار، فإنَّهما بمعنيين مختلفين، فالتولية أن يولِّي الشيءَ ظهرَه، والإدبار أنْ يهرب منه، فما كل مولٍّ مدبرًا، وكل مدبر مولٍّ، ألا ترى أنك إذا قلت: ولَّى ظهره وأدبر، لم يكن من باب قوله: «كذِبًا ومَيْنًا» (١).

ونظيره قوله سبحانه وتعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ} [النمل: ٨٠]، فلو كان أصمَّ مقبلًا لم يسمع، فإذا ولَّى ظهره كان أبعد من السماع، فإذا أدبر مع ذلك كان أشد لبعده عن السماع.

وقوله تعالى: {وَلَمْ يُعَقِّبْ} [النمل: ١٠]، إشارة إلى استقراره في الهرب وعدم رجوعه يقال: عقَّب فلان، إذا رجع، وكل راجع معقّب، وأهل التفسير يقولون: لم يقف ولم يلتفت، وعلى كل حال فليس هنا


(١) هذا جزء من بيت شعر، تمامه:
وقدَّدَتِ الأديمَ لراهِشَيْهِ ... فألفى قولَها كذبًا ومَيْنَا
وهو لعدي بن زيد العبادي في الشعر والشعراء (١/ ٢٣٣) وجمهرة اللغة (ص ٩٩٣)، ولسان العرب (مين) وشرح شواهد المغني (٢/ ٧٧٦).