وكذلك قوله:{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى}[الدخان: ٥٦]، فإنه استثناء من المعنى المشترك بين الجنة والدنيا، فلما قال:{لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ} بقيت النفس تطلب: هل ذاقوه في غيرها؟ فقال: لم يذوقوا إلا الموتة الأولى. وكذلك نظائره.
وقد يكون أخصَّ من المستثنى منه، فلما قال:{فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ}[هود: ١١٦] و {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا}[يونس: ٩٨] كان هذا تحضيضًا للجميع، والتحضيض أمر مؤكد يقتضي ذمَّ مَنْ لم يفعل المأمور وعقابَه، ونفسُ الحضّ والأمر لا يستلزم الخبر، فإن المأمور لم يَفعل ما أُمِر به، بل قد يفعله وقد لا يفعله، وإذا لم يفعله استحقَّ الذمَّ والتوبيخ. وقد يكون في المحضوضين مَن فعلَ، فلما ذكر التحضيض والفاعل مستثنى من التوبيخ لا مستثنى من الحضّ، فلو قال:{إِلَّا قَلِيلٌ} و {إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} لكان هذا استثناءً من التحضيض، وليس كذلك، وإنما هو استثناء من أخص منه وهو التوبيخ ونفي الفعل، فإنه لما حضّ الجميع كأنه قيل: فكلُّهم لم يُنْهَ، وكلُّهم يستحقون الذمَّ والتوبيخ، فيقال: نعم إلا قوم يونس، وإلا قليلًا.
ومما يبيِّن أن مثل هذا التحضيض لا يستلزم النفي عن الجميع قولُه: {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ