للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر قوله (وَالْمُطَلَّقَاتُ) عقبَ قوله (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ)، فيجب أن تكون هذه المطلقة داخلةً في قوله (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ) (١). ولهذا يجب عليها العدة ثلاثة قروء باتفاق العلماء، وإن كان له عنها أربعة أشهر، وهذا يؤيد ما قررناه من أنها جعلت ثلاثة قروء لحقّ الزوج في الرجعة، وإذا كانت هذه المطلقة داخلة في قوله (وَالْمُطَلَّقَاتُ) وجبَ أن يكون بعلُها أحق بردِّها في العدة كما بينه القرآن.

لكن يقال: إنّ الله خيَّره بين شيئين: بين أن يَفيءَ أو يُطلِّق، وهو تخيير بين إمساك بمعروف أو تسريح بحسان، فإذا طَلّق ثمَّ أراد الرجعةَ فقد قدم على الطلاق، فيكون قَدْ فاءَ بعد الطلاق، وحينئذٍ فعليه أن يطأها عقبَ هذه الرجعة إذا طلبت ذلك، ولا يمكن من الرجعة إلاّ بهذا الشرط، لأن الله خيره بين أن يَفيء فيمسكها بمعروف، وبين أن يُسرِّحها بإحسان، فإذا أراد أن يرتجعها فيمسكها بغير معروفٍ لم يكن له ذلك. ولأن الله إنما جعل الرجعة لمن أراد إصلاحًا بقوله (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً) (٢). وإذا لم يكن مقصودُه حسن عشرتها بالوطء لم يكن مريدًا للإصلاح، فلا يمكن من الرجعة. ولأن الله لما خيَّره بين أن يَفيء وبين أن يطلق، فإن طلَّق واستمر على ذلك فقد اختار الطلاق، ولكن الله جعله أحق من غيره في العدة، فإذا ارتجعها كان قد اختار إمساكها، لم يرد استمرارَ الطلاق، وحينئذٍ فيكون كمن لم يطلق، ولو لم يطلق كان عليه أن يطأها إذا لم يختر الطلاق، كذلك هذا. ولأنه لو سوغ أن يرتجع ولا يطأها أربعة أشهر، ثم يطلق ثم


(١) سورة البقرة: ٢٢٨.
(٢) سورة البقرة: ٢٢٨.