أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، فهذا إذا فعل ما يَسُوغ له لم يكن له أن يُنكِر على غيرِه إذا فعلَ أيضًا ما يسوغُ له، فإنه لم يقل أحدٌ من المسلمين: إنه يجب على الأمة كلها اتباعُ واحدٍ بعينه من هؤلاء الأربعة ولا من غيرهم، بل اتفقوا على أنه لا يجب طاعة أحدٍ في كل شيء إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فهو الذي فرض الله على الخلق اتباعَه وطاعتَه مطلقًا، فعليهم تصديقه في كل ما أخبر به عن الله، وطاعته في كل ما يأمر به.
وأما العلماء رضي الله عنهم فتجب طاعتُهم فيما يأمرون به من طاعة [الله] ورسوله. وعلى الجاهل أن يسألهم ويتعلم منهم ويرجع إليهم في دينه، وله أن يسأل هذا العالم وهذا العالم، ليس عليه أن يقتصر في السؤال والاستفتاء في جميع الدين على واحدٍ بعينه.
لكنْ تَنازعَ المتأخرون من أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما: هل على العامي أن يلتزم مذهبَ واحدٍ بعينه من الأئمة المشهورين، بحيث يأخذ بعزائمه ورُخَصِه، على وجهين، والمشهور الذي عليه الأكثرون من [أصحاب] الشافعي وأحمد وجمهور أهل العلم [أنه لا يجب](١) في كل شيء، كما أنه ليس له أن يقلد في كلّ مسألة بمن يوافق غرضه، وليس له أن يقلّد في المسألة الواحدة إذا كان الحق له مَن لا يقلده إذا كان الحق عليه، بل عليه باتفاق الأئمة أن يعدل بين نفسه وغيره في الأقوال، فإذا اعتقد وجوبَ شيء أو تحريمَه اعتقد ذلك عليه وعلى من يماثله.