هذا في هذه= لم يكن على فاعلِ ذلك ملامٌ، ولم يكن ذلك الذي التزمَ قولَ واحدٍ بعينهِ أحسنَ حالًا منه، بل هذا أحسنُ حالًا من ذلك، لأن الأئمة الذين تُوُفُّوا كأبي حنيفة ومالك والشافعيّ وأحمد وغيرهم لا يمكن كثيرًا من العامة بل ولا أكثرهم أن يعرفوا مراتبَهم في العلم والدين، بل الخاصة من العلماء الذين لا هوى لهم قد يتعذر عليهم كثير من ذلك، فكيف لمن يتبع الظن وما تهوى الأنفس؟
وجمهورُ من اتبع الواحدَ من هؤلاء إنما اتبعه من جهة دين العادة، لا من جهة دين العبادة، فإن الرجل ينشأ على مذهب أبيه أو مالكه أو أهل مدينته أو أهل خِطّته ونحو ذلك، ثم يحب ذلك وينتصر له تارةً بعلمٍ وتارةً بلا علمٍ، وتارةً مع حُسنِ النية وتارةً مع فسادها. ومن المعلوم أن الله قد ذمَّ في القرآن من يتبع دينَ الآباء ويَدَعُ دينَ ما أنزل الله على الرسول، فقال تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ}[البقرة: ١٧٠].
وإذا كان كذلك فثقةُ المقلِّد بمن يثِقُ بعلمه ودينه من أهل العلم في ترجيح قولٍ على قولٍ أعظمُ من ثِقَتِه بترجيح ما يقوله [بعض القا] ئلين مطلقًا على ما يقوله الآخر، وكذلك ثقةُ المستدلّ [بما يقتضيه] الدليلُ أعظم من ثقته بذلك. فمن كان قادرًا على الاستدلال الذي يُوصله إلى معرفة الحق في أعيان المسائل كانت هذه الطريقُ خيرًا له، [و] هي الواجبة عليه دون تقليدِ شخصٍ واحدٍ في كل شيء، ومن يكن قادرًا على