الآخرة. فالورع عن المحرمات واجبٌ، لأنها سبب الضرر، والورع عن الشبهات حسن، لأنه قد يكون في ذلك محرَّم، وقد يدعو الوقوع فيها إلى الوقوع في الحرام، كما في الصحيحين (١) عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال:"الحلال بيّن، والحرام بيّن، وبين ذلك أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس، فمن ترك الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي حول الحمى يوشك أن يواقعه. ألا وإن لكل ملك حِمىً، ألا وإن حمى الله تعالى محارمه. ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحتْ صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب".
فقد بيَّن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّ من ترك الشبهات التي لا يعلم كثير من الناس أحلال هي أم حرام، استبرأ لعرضه ودينه، وإن وقع فيها وقعَ في الحرام، كالراعي حول الحمى يوشك أن يرتع، ويقرب أن يواقعه.
وبيَّن أنّ حِمَى الله تعالى محارمُه التي حرَّمها، وفي هذا ما دلَّ على أن الشبهات لا تخفى على جميع الناس، بل كسبهم من غير الحَلال منها من الحرام. ومن تبين له ذلك فأخذ الحلال وترك الحرام لم يكن ممن وقع في الشبهات، وإنما الذي يقع فيها من لم يتبين له أحلالٌ هي أم حرام. وفيه ما دلَّ على أن شريعتَه في ترك الشبهات يتضمن سدَّ الذريعة، فإنها داعية إلى الحرام، وما كان ذريعة يترك، إلاّ إذا كان مصلحة فِعلُه راجح.
مثال ذلك أن يشتبه عليه الحلال بالحرام، فلا يقطع بواحدٍ