للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جنس المحاجَّة والمجادلة، ورأوا ذلك هو السَّلامة والورع والاتباع، فوقعوا في التفريط في جنب الله، وإضاعة بعض العلم بدين الله وبعض الكلام فيه، ولزم من ذلك استيلاء أهل التحريف والإلحاد عليهم وعلى المسلمين، فوقعوا هم في الجهل البسيط، ووقع أولئك ومن اتبعهم في الجهل المركَّب (١).

وكان من سبب ذلك أنهم فهموا من كلام السَّلف أعمَّ مما أرادوه، كما قررتُ نظير ذلك في "قاعدة السُّنَّة والبدعة" (٢).

وقد يؤول بهم الأمر إلى الإعراض عن آيات الله تعالى، وترك اتباع هدى الله، فإما أن يعرضوا عن ألفاظ النصوص فلا يقولونها ولا يسمعونها، وإما أن يكتفوا بمجرَّد قول اللفظ وسماعه من غير تدبرٍ له ولا فقهٍ فيه، ويرون أن عدم معرفة معاني الكتاب والسُّنَّة هي الطريقة التي سلكها السَّلف وأمَروا بها وعَنَوها في مواضع.

* وحزبٌ ثالث اعتقدوا فضلَ الأئمَّة والسَّلف، واعتقدوا الحاجة والانتفاع والاستحسان (٣) لِمَا خاضوا فيه من الكلام في أصول الدين؛ فقالوا: الذي نهى عنه السَّلف - رضي الله عنهم - هو الكلام الذي انتحله أهلُ البدع من


(١) انظر: "النبوات" (٦١٩، ٦٣٦)، و"بيان تلبيس الجهمية" (٨/ ٥٠٣).
(٢) وهي قاعدة عظيمة كما يظهر من موضوعها وإحالة الشيخ عليها في "الانتصار لأهل الأثر" (١٥٨)، و"الاستقامة" (١/ ٥) , و"مجموع الفتاوى" (١٠/ ٣٧١, ٢١/ ٣١٩). وذكرها ابن عبد الهادي في "العقود الدرية" (٧٣) , وابن رُشَيِّق في "أسماء مؤلفات ابن تيمية" (٣٠٦ - الجامع لسيرة شيخ الإسلام) , ولم يُعثر عليها بعد. وقد حرَّر - رحمه الله - هذا الباب كذلك في "اقتضاء الصراط المستقيم" (٢/ ٨٢ - ١٢٠).
(٣) كتبها ناسخ الأصل: "والاستحباب"، ثم أصلحها إلى المثبت.