للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تجعلوا الله معترضًا لأيمانكم. وقال أبو عبيد (١): نصبًا لأيمانكم. وقال طائفة- واللفظ للبغوي (٢) -: العرضة أصلُها المدُّ (٣) والقوة، ومنه قيل للدابة التي تصلح للسفر عرضة لقوتها عليه، ثم قيل لكل ما يصلح لشيء: هو عرضة له، حتى قالوا للمرأة: هي عرضة للنكاح إذا صلحت له. والعرضة كل ما يعترض له فيمتنع عن الشيء. ثم قال: ومعنى الآية لا تجعلوا الحلف بالله سببًا، إلى آخر كلامه المتقدم.

قلت: فعلى هذا يكون التقدير لا تجعلوا الله معروضًا لأيمانكم تقصدون الحلف به لئلا تفعلوا الخير، ويكون قوله (أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا) من تمام ما نُهوا عنه، أي لا تجعلوا الله محلوفًا به لئلا تفعلوا الخير، فتجعلوا ما يجب من تعظيم حقه والحلف به مانعًا لكم من فعل ما يحبه ويرضاه من البر والتقوى والإصلاح بين الناس. فإذا قيل: هو عرضة لكذا، أي هو أهل أن يتعرض إليه بكذا، فلا تجعلوه عرضة لليمين أن تبروا وتتقوا، أي كراهة أن تبروا وتتقوا. هذا تقدير البصريين.

وتقدير الكوفيين لئلا تبروا وتتقوا وتصلحوا (٤)، أي السبب الداعي لكم إلى أن يكون عرضة لأيمانكم كراهة فعل الخير، فلما كرهتم فعلَ ما يحبه جعلتموه عرضة ليمينكم، لتكون اليمين به مانعةً لكم من فعل ما كرهتموه من الخير، فهذا لا يجوز.

وعلى ما قال السُّدِّي المعنى: لا تجعلوا الله معترضًا بينكم وبين


(١) كذا في الأصل و"زاد المسير" (١/ ٢٥٣) الذي نقل عنه المؤلف. ولعل الصواب أبو عبيدة، وهذا قوله في "مجاز القرآن" (١/ ٧٣).
(٢) "معالم التنزيل" (١/ ٢٠٠).
(٣) كذا في الأصل، وعند البغوي: "الشدة".
(٤) انظر: تفسير القرطبي (٣/ ٩٨).