للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكن كَرِه السَّلفُ والأئمَّة، كمالك والشافعي والإمام أحمد التخاطبَ بغير العربية لغير حاجة (١)؛ لأنها شعارُ أهل القرآن والإسلام، وبها يَعْرِفون ما أُمِروا بمعرفته من أمر دينهم، ولمعاني أُخَر ذكرتُها في "اقتضاء الصِّراط المستقيم مخالفةَ أصحاب الجحيم" (٢).

فلم تكن كراهةُ السَّلف لمجرَّد اللفظ.

ولا كَرِهوا أيضًا معنًى صحيحًا يكون دليلًا على حقٍّ، كما يتوهَّمه أيضًا هؤلاء، ويقولون: "إن كُرِه اللفظُ فهو اصطلاحيٌّ كاصطلاحات سائر العلماء من الفقهاء والنحاة، وإن كُرِه المعنى فلا يريد (٣) إلا الدلالة على أصول الدين، مثل: ثبوت الصانع، ووحدانيته، وصحة الرسالة والنبوة" (٤)؛ فإن هذا المعنى لم يكرهه السَّلف، ولا يكرهه مؤمنٌ عليم.

كيف والقرآن من أوله إلى آخره إنما هو في تقرير هذه المعاني التي هي أعلامُ علوم الدين، وأشرفُ مقاصد الرسل؟!

وقد صرَّف الله في القرآن الدَّلالات بوجوه المقاييس (٥)، وضرب الأمثال، وأنواع القصص، وغير ذلك مما هو دليلٌ ومرشدٌ إلى الإيمان بهذه الأصول.


(١) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (١٣/ ٤٠٢)، و"المدونة" (١/ ١٦١)، و"مسند الفاروق" لابن كثير (٢/ ٤٩٤).
(٢) (١/ ٤٦١ - ٤٧٠).
(٣) أي: صاحب الكلام.
(٤) انظر: "إحياء علوم الدين" (١/ ٩٦، ٩٧).
(٥) المقاييس العقلية، وهي الأمثال. انظر: "مجموع الفتاوى" (٢/ ٦١، ١٠/ ٣٥٥).