للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النبي - صلى الله عليه وسلم - بحركاتهم وأصواتهم، لا بصوت النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولم يكن ما قام به من كلامه ــ حروفه ومعانيه ــ منتقلةً عنه ولا حالَّةً فيهم.

فكيف يقال: إن جبريل سمع كلام الله من الله، وبلَّغه إلى رسوله محمد، فيكون شيءٌ (١) من كلام الله منتقلًا عن ذات الله وحالًّا بجبريل، فضلًا عن أن ينتقل إلى البشر ويحلَّ بهم؟!

بل الكلامُ كلامُ من قاله مبتدِئًا، لا كلامُ من قاله مبلِّغًا مؤدِّيًا (٢).

وموسى سمع كلام الله من الله بلا واسطة، وأما المسلمون فإنما سمعوه من المبلِّغين عنه، لم يسمعوه من الله عزَّ وجل.

والفرق بين السَّماعَيْن ظاهر، هذا سماعٌ بواسطةٍ وهذا سماعٌ بلا واسطة، كما أن الشمس والقمر والكواكب قد يراها بطريق المباشرة، وقد يراها بواسطة ماءٍ أو مرآةٍ أو جسمٍ صقيل؛ فهذه رؤيةٌ مقيَّدةٌ بواسطة، لم يباشِرْها بالرؤية. وكذلك السامع لكلام المتكلِّم من المبلِّغ عنه، هو سمعٌ مقيَّدٌ بواسطة، لم يباشره بالسَّمع (٣).

وإذا قيل: "رسول الله بلَّغ عن ربه"، و"حكى عن ربه"، و"حدَّث عن ربِّه"، و"روى عن ربِّه"، كان صحيحًا.

وإذا قيل: "هذا حكاية القرآن"، بمعنى أن أحدًا يحاكي كلام الله، فيأتي


(١) الأصل: "يكون شيئا". والمثبت أظهر.
(٢) انظر: "درء التعارض" (١/ ٢٥٦)، و"التسعينية" (٥٣٨، ٥٥٠، ٩٦٣).
(٣) انظر: "مجموع الفتاوى" (١٢/ ١٣٧).