للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبالتمييز بين هاتين القدرتين يظهرُ لك قول من قال: القدرة مع الفعل، ومن قال: قبله، ومن قال: الأفعال كلُّها تكليفُ ما لا يطاق، ومن منَع ذلك، وتقفُ على أسرار المقالات.

وإذا أشكَل عليك هذا البيان، فخذ مثلًا من نفسك أنت، إذا كتبتَ بالقلم، وضربتَ بالعصا، ونَجَرْتَ بالقَدُوم، هل يكون القلمُ شريكَك أو يضاف إليه شيءٌ من نفس الفعل وصفاته؟ أم هل يصلح أن يُلغى أثرُه، ويُقطع خبرُه، ويُجعل وجودُه كعدمه؟ أم يقال: به فُعِل، وبه صُنِع؟

ولله المثلُ الأعلى، فإن الأسباب بيد العبد ليست من فعله، وهو محتاجٌ إليها لا يتمكَّنُ إلا بها، والله سبحانه خلق الأسباب ومسبَّباتها، وجعل خلقَ البعض شرطًا وسببًا في خلق غيره، وهو مع ذلك غنيٌّ عن الاشتراط والتسبُّب ونَظْمِ (١) بعضها ببعض، لكن لحكمةٍ تتعلقُ بالأسباب وتعودُ إليها، والله عزيزٌ حكيم.

وأما قوله: "إنَّا إذا نفينا التأثيرَ لزم انفرادُ الله سبحانه بالفعل، ولزم الجبرُ وطيُّ بساط الأمر والنهي".

فنقول: إذا أردتَ بالتأثير المنفيِّ التأثيرَ على سبيل الانفراد في نفس الفعل أو في شيءٍ من صفاته، فلقد قلتَ الحقَّ، وإن كان بعض أهل الاستنان يخالفك في القسم الثاني (٢).

وإن أردتَ به أن القدرة وجودُها كعدمها، وأن الفعل لم يكن بها، ولم


(١) الأصل: "ونطق". وعلى الصواب في (ف).
(٢) كما سيأتي (ص: ١٠٤).