للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

من الضُّلَّال، {كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} [البقرة: ١١٨]، وموقفُك هذا مَفْرِق طرقٍ إما إلى الجنة وإما إلى النار.

فيُعاد عليك البيانُ بأن لها تأثيرًا من حيث هي سببٌ كتأثير القلم، وليس لها (١) تأثيرٌ من حيث الابتداع والاختراع، وتُضْرَب لك الأمثال، لعلك تفهمُ صورة الحال، ويتبيَّن لك أن إثباتَ الأسباب مبتدِعاتٍ هو الإشراك، وإثباتَها أسبابًا مُوصِلاتٍ (٢) هو عينُ تحقيق التوحيد، عسى الله [أن] يقذفَ في قلبك نورًا ترى به هذا البيان، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: ٤٠].

فإن قلت: إثباتُ القدرة سببًا نفيُ التأثير في الحقيقة؛ فما بالُ الفعل يضافُ إلى العبد؟ وما باله يُؤمر ويُنهى، ويثابُ ويعاقَب؟ وهل هذا إلا محضُ الجبر؟! وإذا كنتَ مشبِّهًا لقدرة الإنسان بقلم الكاتب وعصا الضارِب، فهل رأيتَ القلم يثابُ أو العصا تعاقَب؟!

فأقول لك الآن ــ إن شاء الله ــ ما يوجبُ (٣) هُداك، بمعونة مولاك، وأن تطَّلع من أسرار القدَر، على مثل خُرْتِ الإبَر (٤)، فألقِ السَّمعَ وأنت شهيد، عسى الله أن يمدَّك بالتأييد.

اعلم أن العبد فاعلٌ على الحقيقة، وله مشيئةٌ ثابتة، وإرادةٌ جازمة، وقوةٌ


(١) الأصل: "ولها"، وهو خطأ. وعلى الصواب في (ف).
(٢) (ف): "موصولات". تحريف.
(٣) الأصل و (ف): "وجب". ولعل المثبت أقوم بالمراد.
(٤) خُرْت الإبرة: ثُقبها. أي شيئًا يسيرًا أو دقيقًا. وتحرفت العبارة في (ف) إلى: "وإن لم تطلع من أسرار القدر إلا على مثل ضرب الأثر".