للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والظهار في معنى المنهي، فن مقصود المظاهر أن يحرم عليه امرأتَه، وينهى نفسه عن اتخاذها زوجةً، فلا يطأها، فمقولُه هو ما نهى عنه نفسَه من اتخاذها زوجةً والاستمتاع بها، فإذا عاد إلى ذلك فقد عاد إلى ما نهى عنه نفسَه، وهو مقولُه، وهذا العود يتضمن رجوعه وندمه، ولفظ العود يدل على ذلك، ولهذا فسَّر ابن عباسٍ العودَ بالندم، فقال: يندمون، يرجعون إلى الألفة (١). قال الفراء (٢): يقال: عاد فلان لما قال، أي فيما قال، وفي بعض ما قال، يعني رجع عما قال. ولهذا قال الشافعي: إذا أمسكها لحظةً فقد عاد.

لكن يقال: مجرد الكف لا يكون عودًا، فإنه قد يكون اعتقد أن الظهار حرَّمها عليه ووقع به الطلاق، فلا يحتاج إلى طلاق ثانٍ، وقد تكون نيته أن يطلقها فيما بعدُ، أو يطلقها إذا جاء وقتُ الطلاق المشروع، وقد يكون مترددًا هل يطلقها أو يمسكها، فمجرد مرور لحظةٍ لا يوجب أن يقال: إنه عاد.

وإذا عزمَ على الوطء فليس له أن يطأ حتى يُكفِّر بنص القرآن واتفاق الناس، لكن لو رجع عن هذا العزم، وبدا له أن يطلقها، أو مات أحدهما قبل الوطء، فقد قيل: إنه تستقر عليه الكفارة، لأنه عاد، والصحيح الذي عليه جمهور السلف أن الكفارة لا تستقر إلاّ بالوطء، فأما مجرد العزم فلا يوجب شيئًا، فإن في الصحيحين (٣) عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل به". وهذا عازم على العود، ولم يَعُدْ بعدُ، وإنما


(١) انظر أقوال العلماء في تفسير الطبري (٢٨/ ٧) وابن كثير (٤/ ٣٤٤).
(٢) "معاني القرآن" (٣/ ١٣٩).
(٣) البخاري (٥٢٦٩، ٦٦٦٤) ومسلم (١٢٧) من حديث أبي هريرة.