للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمّا الشبهة إذا اجتنبها أوقعتْه فيما يتردد بين الكراهة والتحريم قطعًا، فهذا مما يتنازع الفقهاء فيه، مثل إذا شكَّ من الطلاق الثلاث فمن الفقهاء من يستحب له اجتنابها، بل يستحبون له إيقاع الطلاق يقينًا لتُباحَ لغيره بلا شك، مثل أن يقول: إن لم يكن وقع بكِ فقد أوقعتُه بكِ. ومنهم من يَستحبُّ له إمساكَها، ويرى ذلك خيرًا (١) من مفارقتها ومن إيقاع الطلاق عليها، فإنه إذا ملكها لم يأثم، فإن الأصلَ عدمُ الطلاق، وإمساكُها جائزٌ لا إثم فيه، وأما الطلاق فهو مكروه أو محرَّم، فمن قَطَع بتحريمه فإنه يقطع بأنه ليس له أن يطلقها لأجل الشك، ومن قال مكروه فقد يتردد اجتهاده لكون كراهة الطلاق أشدّ أم كراهة إمساكها مع الشك. وأما من تردَّد هل الطلاق محرَّم أو مكروه فإمساكها أولى عنده، لأنه هناك متردد بين حلال وحرام، وهنا متردد بين حرام ومكروه. وأما من قال: الطلاق مباح لا كراهة فيه، فإيقاعُه عنده أولى من إمساكِها مع الشك. وقد بسطنا هذه المسائل في غير هذا الموضع. والصواب أن الطلاق في الأصل محظور، وإنما أُبيح للحاجة.

والمقصود هنا أن ما لا يُستعانُ به على النفع الدائم فهو نفع يتعقبه، ومنه يُسمَّى العبث واللعب باطلاً، وإن كان العابث اللاعب فيه منفعتُه زائلة، [فهي] لما فيه من اللذة الحاضرة، لكن هو باطل إذا لم يُستعَن به على الحق الذي يَدُوم نفعُه. ولهذا قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا} (٢)، وقال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (٣٨)} (٣)، وقال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا


(١) في الأصل: "خير".
(٢) سورة ص: ٢٧.
(٣) سورة الدخان: ٣٨.