للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

النعمة، فالضرَّاء مع الصبر نعمة، كما أن السرَّاء مع الشكر نعمة، وذلك خيرٌ للعبد.

والذنب إذا حصل منه توبةٌ نصوحٌ كان المجموعُ من أعظم نعم الله على العبد؛ فإن الله يحبُّ التوابين ويحبُّ المتطهِّرين، وهو سبحانه أشدُّ فرحًا بتوبة عبده من الفاقد لراحلته التي عليها طعامُه وشرابُه في أرضٍ مهلكةٍ إذا وجدها بعد اليأس (١)، فالله أشدُّ فرحًا بتوبة عبده من فرح هذا براحلته.

وقد قال طائفةٌ من السَّلف، كسعيد بن جبير: "إن العبد ليفعلُ الحسنة فيدخل بها النار، ويفعلُ الذنبَ فيدخل به الجنة؛ يفعل الحسنة فيُعْجَبُ بها، فلا يزال إعجابُه حتى يُهْلِكَه، ويفعل الذنوبَ فيتوبُ منها ويخشعُ ويخاف، فلا يزال خوفُه وخشوعُه حتى يُدْخِلَه الجنة" (٢).

ولهذه الحكمة ابتُلي بالذنب من ابتُلِي من كبار عِبَاد الله، حتى قال بعض الناس: "لو لم تكن التوبةُ أحبَّ الأشياء إليه ما ابتلى بالذنب أكرمَ الخلق عليه" (٣).


(١) كما في البخاري (٦٣٠٨)، ومسلم (٢٧٤٤).
(٢) روي هذا المعنى من قول أبي موسى وأبي أيوب - رضي الله عنهما -، ومن قول الحسن وأبي حازم. انظر: "الزهد" لهناد (٩١٠، ٩١١)، ولابن المبارك (١٦٣، ١٦٤)، ولأحمد (٢٧٧)، و"الحلية" (٣/ ٢٤٢، ٧/ ٢٨٨)، و"شعب الإيمان" (١٢/ ٢٣٥).
وروي مرفوعًا من مرسل الحسن عند ابن المبارك (١٦٢)، وأحمد (٣٩٧).
ولم أقف عليه من قول سعيد بن جبير، وعزاه إليه شيخ الإسلام كذلك في مواضع أخرى. انظر: "مجموع الفتاوى" (١٠/ ٤٥، ٢٩٤، ١٤/ ٤٧٤).
(٣) تقدم تخريجه (ص: ٦٨).