بعضهم أن مدد أهل الأرض بل الملائكة والطير والحيتان يكون من جهته، وبواسطته يفيض الخير إلى سائر الخلق، وأنه يعطي الملك وولاية الله لمن يشاء ويَصرِفهما عمن يشاء، إلى غير ذلك من الدعاوي الباطلة التي تجعل للقطب والغوث نوعًا من الألوهية والربوبية، وهي من أعظم الكذب والمحال والشرك والضلال والإلحاد.
ومن الغريب أن كثيرًا من العلماء المتأخرين تأثروا بمقولات الصوفية في هذا الباب، ووافقوهم في الغالب، ونقلوا هذه الخرافات إلى مؤلفاتهم في التفسير والحديث والعقيدة والسيرة والأخلاق والفتاوى والأدب واللغة والتاريخ والتراجم بدون النكير عليها، بل ألّف بعضهم رسائل مستقلة لتأييدها.
ونظراً لخطورة هذه الفكرة وما في شيوعها وانتشارها من ضرر على العامة والخاصة في عقيدتهم، قام بعض العلماء لمناقشتها والردّ عليها، وبيان ما فيها من مخالفة للعقل والشرع، ونقد الأحاديث التي يحتج بها الصوفية. وقد كان شيخ الإسلام ابن تيمية أقواهم كلامًا في الباب، وأوسعهم ردًّا على هذه الفكرة، وقد كتب كتاباتٍ عديدة في هذا الموضوع يأتي بيانها (ص ٣٩ - ٤٩)، أطولُها هذه الفتوى التي أنشرها اليوم.
وأقدم لهذه الفتوى ببعض الفصول التي تعتبر شرحًا لهذه الفكرة عند الصوفية، وبيانًا لمصدرها، وأثرها في المجتمع الإسلامي، ودرجة الأحاديث التي يستندون إليها، واستعراضًا لمن نقد هذه الفكرة، وإبرازاً لموقف شيخ الإسلام منها في ضوء كتاباته،