للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ}، ولم يقل: "به عملٌ صالح"؛ فإنه نفسه عملٌ صالح، وأما ما تَقَدَّمه فإنه ليس هو عملهم القائم بذاتهم، ولكن تولَّد بسببه وسبب غيره.

ولهذا تنازع النُّظَّار في هذه الأعمال الحادثة بسبب فعلٍ اختياري من العبد، كالجوع، والعطش، والتعب، وخروج السَّهم من كبد القوس، وقطع العنق وزهوق الرُّوح عند تحريك اليد بالسِّلاح، كالسَّيف والسِّكِّين، ونحو ذلك (١).

فقال من قال من القدريَّة والمعتزلة وغيرهم: إن هذا فعلٌ للعبد. وجعلوا أفعال العباد قسمين: مباشر، ومتولِّد. واحتجُّوا بأنه يثابُ على ذلك، ويعاقبُ عليه.

فقال لهم الجمهور: قد يحصل الثوابُ والعقابُ بما يحصلُ عن فعله، وإن لم يكن من فعله بالاتفاق، مثل من دعا إلى هدى، فإن له من الأجر مثل أجور من اتبعه، من غير أن ينقص من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الوزر مثل أوزار من اتبعه، من غير أن ينقص من أوزارهم شيئًا (٢)، مع أن هدى هؤلاء وضلال هؤلاء هو باختيارهم، وهم يثابون عليه، ويعاقبون عليه (٣).


(١) انظر: "منهاج السنة" (١/ ٢٨٤، ٣/ ٣٣٨)، و"الصفدية" (١/ ١٥٠)، و"الرد على البكري" (٤٣١)، و"مجموع الفتاوى" (٨/ ٥٢٢، ١٧/ ٥٣١)، و"جامع المسائل" (٧/ ٤٣، ٨/ ٦٢).
(٢) أخرجه مسلم (٢٦٧٤) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.
(٣) انظر: "درء التعارض" (٩/ ٣١)، و"جامع المسائل" (٤/ ٢٦٧).