٢ - وقد يراد بها: العلَّة المقتضِية، وإن توقَّفت على شروطٍ واندفعت بالمُعارِض، كما يقال: الأكل والشرب علةٌ للشِّبع، وإصابة النار علةٌ للاحتراق، ويقال: ملكُ النصاب علةٌ لوجوب الزكاة، والزنا علةٌ لوجوب الرجم.
وإذا صِيغت هذه الأسباب بصيغ الشَّرط والجزاء، كقوله:{مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ}[النساء: ١٢٣]، {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا}[النساء: ١٢٤]، {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا}[النساء: ٣٠] = فإنه يُعْلَمُ من ذلك أن هذا العمل سببٌ مقتضٍ للجزاء، ثم يجوز أن يتخلَّف الحكمُ عن سببه، لفوات شرطٍ أو لوجود مانع.
ويجوز للمتكلِّم أن يبيِّن مراده بهذا اللفظ المطلق تقييدًا وتخصيصًا إذا سوَّغه اللسانُ الذي يتكلَّم به، ولذلك جاز أن ينتفي الجزاءُ لمُعارِضٍ، من توبةٍ، أو حسناتٍ ماحية، ونحو ذلك، وانتفاؤه بالتوبة مجمعٌ عليه بين المسلمين، وفي البواقي خلافٌ بين أهل السُّنَّة وبين الوعيديَّة من الخوارج والقدريَّة.
ومن فَهِم هذا انتفت عنه شُبَه الوعيديَّة، وعرف سرَّ مسألة إخلاف الوعيد، ومسألة الخصوص والعموم؛ فإن الله قد بيَّن مراده بقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}[النساء: ٤٨]، وبقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ}[الشورى: ٢٥]، إلى أمثال ذلك.
إذا عُرِف ذلك فنقول: أما العلَّة التامة فإن ثبوتها دليلٌ يقينيٌّ على وجود