للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذه آراء بعض الباحثين الممتازين في بيان موقف شيخ الإسلام من الاستحسان، حيث ذكروا أنه من القائلين به إذا كان الاستحسان لدليل، وهو العدول عن القياس لما هو أقوى منه، وأن الاستحسان هو اختيار الأحسن، وأن ترك القياس في مواضع معينة لا يعني القدح فيه، فإنّه يحرك لدليل أقوى منه. ولو أنهم اطلعوا على هذا الكتاب لعرفوا أن جميع ما توصلوا إليه خلاف ما قرَّره شيخ الإسلام هنا، وأن ما استنبِط من كلامه ليس رأيَه الصريح في هذه القضية، بل هو نقل عن الآخرين وتوجيهٌ لأقوالهم وبيان لما يقصدون إليه.

وسنعرض فيما يلي مباحث الكتاب لنعرف موقف شيخ الإسلام من الاستحسان ومن القائلين به والمانعين منه، ومدى موافقته لأحد الفريقين، وكيف ينظر إلى تلك المسائل التي قيل فيها: إنها استحسان على خلاف القياس.

بدأ المؤلف كتابه بخطبة الحاجة، وبيان سبب التأليف الذي سبق الحديث عنه، ثم ذكر التعريف المشهور للاستحسان وهو أنه مخالفة القياس لدليل، وبيَّن اختلاف العلماء فيه على ثلاثة مذاهب: فالظاهرية والمعتزلة والشيعة ينكرون هذا اللفظ مطلقا، وأبو حنيفة وأصحابه يقرّون به بهذا المعنى، ويجوّزون مخالفة القياس للاستحسان، ويعملون بالقياس فيما عدا صورة الاستحسان. والشافعي وأحمد ومالك وغيرهم يذمّون الاستحسان تارة ويقولون به تارةً. وكان الشافعي من أعظم الأئمة إنكاراَ له، وقد تكلم في إبطال الاستحسان وبسط القول في ذلك، ومع هذا فقد قال بلفظ الاستحسان في بعض