وسَط بين الظاهرية وأهل الرأي كما نرى، ولكنا لا نجد من الأصوليين مَن نَصَره عند كلامه على القياس، حتى جاء شيخ الإسلام ابن تيمية فتكلم عليه وقرره في مواضع من رسائله وكتاباته، وأهمُّها هذه القاعدة التي ننشرها الآن. وتبعه تلميذه العلامة ابن القيم في "إعلام الموقعين"(١/ ٣٥٠ - ٣٨٣)، فنقل معظم مباحث هذه القاعدة بلفظها أو بمعناها، مع زيادة التوضيح والشرح بأسلوبه المعروف.
وهو وإن لم يذكر شيخه في هذا الموضع، فقد أشار إليه عند الكلام على أنه ليس في الشريعة شيء على خلاف القياس (١/ ٣٨٣).
وهذه القاعدة أحد الفصول الثلاثة التي يقول ابن القيم فيها إنها "من أهم فصول الكتاب"(١/ ٣٥٥)، فلا نستغرب أن يقتبسها من شيخه، على طريقته في الاستفادة من كتبه، كما يظهر ذلك لكلّ من يقرأ كلام الشيخين في موضوع واحد.
والكتاب مقسم إلى قسمين: في القسم الأول منهما تأصيل لقاعدة شمول النصوص للأحكام وموافقتها للقياس الصحيح. وفي الثاني تطبيق لها على أحكام الفرائض، فإنها من أشكل الأشياء، والنصوص الواردة فيها قليلة محصورة، ومع ذلك شملت جميع الأحكام التي نحتاج إليها، فهذا من أظهر الأدلة على صحة القاعدة المذكورة.
وقد أُفرِد القسم الثاني- لأهميته- في بعض النسخ، كما سيأتي ذكرُها فيما بعد، وذكره ابن رشيق (١) بعنوان "شمول النصوص في
(١) "أسماء مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية": ٢٤٧ (ضمن "الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية").