للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والفلسفةِ، حتى دخل من ذلك في كلام الفقهاء وأهلِ أصول الفقه ما دخل، فتجدُ الواحدَ منهم إذا بحثَ في الفقه بحثَ فيه (١) بفطرتِه وإسلامه، مُعلِّلاً للأحكام بالعِلَلِ المناسبة، ذاكرًا أنّ اللهَ أَمَرَ بكذا لكذا، وخلقَ كذا لكذا، وفي موضع آخر يُنكِرُ هذا ويقول: لا يخلق ولا يأمر لِعِلةِ، واللام في ذلك لامُ العاقبة لا لامُ كَيْ.

فهذا قولُ من أثبت القياسَ من نُفاةِ الحكمةِ والتعليلِ في خَلْقِه وأمرِه.

وأما من نَفَى القياسَ فقولُه أشبهُ بهذا الأصلِ، فإنه إذا لم يأمر لحِكمةِ (٢) فلا معنى لتعليلِ أمرِه ونهيِه، لكن مُثبتةَ القياس من هؤلاء قالوا: إن الحكمةَ اقترنتْ (٣) بالأمر وإن لم يأمر لها، وقالوا في الأمر كما قالوا في الخلق، فقالوا: كما جرتْ عادةُ الله تعالى في خلقِه، فَخَلَقَ الشِّبَع عَقِبَ الأكل، والرِّيَّ عَقِبَ الشُّرب، والاحتراقَ عقبَ الإحراقِ، ونحو ذلك، وإن لم يكن خَلَقَ هذا لهَذا ولا لهذا، ولا جعلَ سبحانَه أحدَ هذين علَّةً للآخر عندهم.

قالوا: فهكذا أمرُه، أمَرَ بقطِع السارق، لا لأجل حفظ الأموال، بل إذا قُطِعَ السارقُ حُفِظتَ الأموالُ، فاقترن هذا بهذا عادةَ، وإن لم يأمر بهذا لأجل هذا. فالمصلحة عندهم توجد عند


(١) س: "في".
(٢) س:"بحكمة".
(٣) س: "اقتربت".