للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

(َقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) (١)، وقول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:

"ذرُوني ما تَركْتكم، فإنما هلكَ من كان قبلكم بكثرةِ سؤالهم واختلافِهم على أنبيائهم، فإذا نَهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمرٍ فأتوا منه ما استطعتم" (٢). وقوله لما قال: "إن الله كتبَ عليكم الحج"، قالوا: أَفِي كل عام؟ قال: "لا، ولو قلتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ" (٣).

والمسلك الثالث أن يقال: الحكم الشرعي لا يثبت إلاّ بدليله، والدليلُ مُنتفٍ، فلا يثبت. وهذا يُسَمَى حَصْرَ المداركِ ونفيها، وهذا مضمونُه أنَ ثبوتَ الحكمِ في حَقَّنا بدون دليلٍ منتفٍ، والدليلُ منتفٍ، فيَنْتَفي الحكمُ، وإذا انتفى أحدُ النقيضين ثبتَ الآخر. والدليل وإن كان لا ينعكس، بل قد يَثبتُ الشيءُ بدون دليله، فهذا مما (٤) ليس علينا معرفته. وأما الأحكام التي هي الأمر والنهي، التي علينا أن نَعرِفَها، فلا تَثبتُ بدون دليلها.

وأيضًا فإنّ قولَ اللهِ ورسوله هو المثبتُ لهذه الأحكام، فإذا انتفى الموجبُ انتفى مُوجَبُه، فانتفتْ لانتفاء (٥) مُوْجبها، وهو دليلُه، فإن خَطابَ الشارعِ ليس دليلاً مختصًّا، بل هو الَدليل، وهو


(١) سورة الأنعام: ١١٩.
(٢) أخرجه البخاري (٧٢٨٨) ومسلم (١٣٣٧ وبعد رقم ٢٣٥٧) عن أبي هريرة.
(٣) في الحديث السابق عند مسلم فقط.
(٤) ع: "باب".
(٥) ع: "بانتفاء".