للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الذي بمنزلة يمينه في الأرض، وأن يُقبّله أيضًا، حتى إنه يُستحبُّ إذا لم يُمكِن تقبيلُه أن يُقبِّلَ اليدَ التي استلَمتْه، حتى إنه يستحبُّ استلامُه بالمِحْجَنِ والعصا ونحو ذلك إذا لم يُمكِن استلامُه باليد. وكذلك الركن اليماني يستحبُّ استلامُه. ولم يَستلم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أركان البيت الأربعة إلا الركنينِ اليمانيينِ، لأنهما بُنيا على قواعدِ إبراهيم، وأما الركنانِ اللذانِ يَلِيَانِ الحِجْرَ فإن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يَستلمْهما، ولهذا لا يستحبُّ استلامُهما عند الأئمة الأربعة وعامةِ العلماء، كما لا يُستَحبُّ أن يَستلِمَ الرجلُ جوانبَ بيتِ الله، ولا يستحبُّ تقبيلُ ذلك أيضًا. وكذلك مقام إبراهيم الذي قال الله تعالى فيه: (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلّىً) (١) لم يَستلمه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يُقبِّلْه، ولا يُشْرَعُ ذلك فيه بل يُنهَى عنه باتفاقِ العلماء. فإذا كان مقام إبراهيم الذي ذكره الله تعالى في القرآن لا يُشْرَع أن يَتَمسَّحَ العبدُ به فكيف سائر المقامات والمشاهد التي يُقال: إنها أثر بعضِ الأنبياء والصالحين؟.

وإذا كان قبر نبينا لا يُشرَع باتفاق المسلمين بأن يُقبَّلَ أو يمَسَّح به، فكيف بقبر غيره؟ وفي سنن أبي داود (٢) عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "لا تتخذوا قبري عيدًا، ولا تتخذوا بيوتكم مقابر". وقال أيضًا (٣): "صَلُّوا عَليَّ حيثما كنتم، فإن صلاتكم تَبلُغني".

ولهذا رأى عبد الله بن حسن بن حسين بن علي بن أبي طالب رجلًا يُكثِر الاختلاف إلى قبر النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فقال: يا هذا! إن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "لا تتخذوا قبرِي عيدًا، فصَلُّوا عليَّ حيثما كنتم، فإن


(١) سورة البقرة: ١٢٥.
(٢) برقم (٢٠٤٢) عن أبي هريرة.
(٣) كما في المصدر السابق.