وأنبياء بني إسرائيل لم يُقتَلوا في الغَزاة، والذين قبلهم بنو إسرائيل من الأنبياء لم يُقتَلوا في جهادٍ، بل لا يُعرَف نبيٌّ قُتِلَ في جهادٍ، فكيف يكون هذا كثيرًا؟ ويكون جنسُه كثيرًا ولا يُعرَف هذا في شيء من الأخبار؟!.
وهو سبحانه أنكر على من ينقلب على عقبيه، سواء كان النبي مقتولًا أو ميتًا، لم يخصَّ حال القتل، فلم يذمّهم إذا مات أو قُتِل على الخوف والرعب، بل على الردَّة والانقلاب على العقبين. ولهذا تلاها الصديق يوم ماتَ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فكأنَّ الناس لم يسمعوها حتى تلاها (١).
ثمَّ ذكر بعدها معنى آخر، وهو أنّ من قبلكم كانوا يقاتلون، فيُقْتَل معهم خلق كثير وهم لا يَهِنُون. ويكون ذكر الكثرة مناسبًا؛ لأنه إن قُتِلَ منهم كثيرٌ فهذا يقتضي الوهنَ وما وَهَنوا، وإن كان الذين قاتلوا كثيرين وما وَهَنوا دلَّ على إيمانهم كلِّهم مع الكثرة. ولم يقل هنا: وما انقلبوا على أعقابهم، فلو كان المراد أن نبيَّهم قُتِل لقالَ:"فما انقلبوا على أعقابهم"، لأنه هو الذي أنكره إذا مات الرسولُ أو قُتِلَ، فأنكر سبحانه شيئين: الارتداد إذا مات الرسول أو قُتِل، والوهن والضعف والاستكانة لما أصابهم في سبيل الله من استيلاء العدو، ولهذا قال:(فَمَا وَهَنُواْ لماَ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اَستَكَانُوا)، ولم يقل:"فما وهنوا لقتل النبي". ولو كان النبي هو المقتول وهم كلهم أحياء لذكَرَ ما يناسب ذلك ولم يقل (فَمَا وَهَنُواْ لماَ أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ). ومعلومٌ أن ما يُصيب في سبيل الله في عامة الغزوات لا يكون قَتْلَ نبي.
(١) أخرجه البخاري (١٢٤٢، ٤٤٥٤ ومواضع أخرى) عن ابن عباس.