للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وثبتَ عنه (١) أيضا أنه لما كان في غزوة الأحزاب فَرَدَّ الله الأحزابَ بغَيظِهم لم ينالوا خيرا، وأمر نبيَّه بقصد بني قريظة، قال لأصحابه: "لا يُصلِّيَنَّ أحدٌ منكم العصرَ إلا في بني قُريظةَ"، فأدركتهم الصلاة في الطريق، فمنهم قوم قالوا: لا نصليها إلا في بني قريظةَ، ومنهم قومٌ قالوا: لم يُرِدْ منّا تفويتَ الصلاة، إنما أرادَ المسارعةَ، فصلَّوا في الطريق. فلم يُعنِّف النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - واحدةً من الطائفتين.

وكانت سنة رسولِ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هذه موافقةً لما ذكره الله سبحانه وتعالى في كتابه، حيث قال: (وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ (٧٨) فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) (٢). فأخبر سبحانه وتعالى أنه خصَّ أحد النبيَّين بفهم الحكم في تلك القضية، وأثنى على كلٍّ منهما بما آتاه الله من العلم والحكم.

فهكذا السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان -رضي الله عنهم ورضوا عنه-[كانوا] فيما تنازعوا فيه مجتهدين طالبين للحق.

وقد ثبت عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "من يَعِشْ منكم بعدي فسَيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عَضُّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومُحدَثاتِ الأمور، فإن كل


(١) أخرجه البخاري (٩٤٦، ٤١١٩) عن ابن عمر. ورواه مسلم (١٧٧٠) بلفظ: "لا يصلينّ أحدٌ الظهر إلا في بني قريظة"، وانظر كلام الحافظ عليه في "الفتح" (٧/ ٤٠٨، ٤٠٩).
(٢) سورة الأنبياء: ٧٨ - ٧٩.