للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدنيا من الصبيان والمجانين، ومن مات في الفترة- يُمتَحنون يومَ القيامة، فمن أطاعَ دخلَ الجنة، ومن عَصَى دخلَ النار. وهذا التفصيل هو الصواب، فإن الله قال في القرآن (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٥)) (١)، فأقسم سبحانَه أنه لابدّ أن يملأ جهنم من إبليسَ وأتباعِه، وأتباعُه هم العصاةُ، ولا معصيةَ إلا بعد التكليف، فلو دخلَها الصبي والمجنون لدخَلَها مَن هو من غير أتباعِه، فلم تَمتلئْ منهم.

وأيضًا فقد قال سبحانه: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (٦٥)) (٢)، وقال سبحانه: (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (٣)، وقال سبحانه: (كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ) الآية (٤)، إلى غير ذلك من النصوص الدالة على أن الله لا يُعذب إلا من جاءه نذير وأتاه رسولٌ، والطفلُ والمجنون ليسا كذلك كالبهائم.

وقال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) إلى قوله (إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) (٥).

فأخبر سبحانه أنه استخرج ذرياتهم، وأشهدَهم على أنفسِهم، لئلاّ يقولوا: أتُهلِكنا بما فعل المبطلون، فعُلِم أنه لا يُعاقِبُهم بذنبِ غيرِهم.

وأما البهائم فعامةُ المسلمين على أنه لا عقابَ عليها، إلا ما يُحكَى عن التناسخية بأنهم مكلَّفون، فيستحقون العقابَ، وهذا نظيرُ قولِ من يقول: لا تُحشَر. لكن هنا:


(١) سورة ص: ٨٥.
(٢) سورة الإسراء: ١٥.
(٣) سورة النساء: ١٥٨.
(٤) سورة الملك: ٨ - ٩.
(٥) سورة الأعراف: ١٧٢ - ١٧٣.