الأمور السمعية التي لا تُعلَم إلَاّ بالسمع، وهو قول كثير من أصحابنا والأشعرية وغيرهم.
وذهبَ طوائفُ إلى أنه يُعلَم بالعقل، ثُمَّ تنوعت مسالكُهم:
منهم من بناه على وجوب العدل، وأن ذلك يَقتضي معادًا غيرَ هذه الدار، يُجزَى فيها الظالموَن بظلمهم، أو يُعَوَّض المعذَّبون على عذابهم. وهذا مسلك كثير من المعتزلة وغيرهم.
ومنهم من بناه على أن الروح غير البدن، وأنها باقيةٌ بعده، وأن لها من النعيم والعذاب الروحانيينِ ما لا يُفارِقُها. وهذا مسلك كثير من المتفلسفة ومن نحا نحوَهم، ومن هؤلاء من يثبِتُ معادَ الأرواح العالمةِ دون الجاهلة، وفيهم من يُنكِر المعادَيْنِ.
والصواب أنَّ معرفتَه بالسمع واجبةٌ، وأمَّا بالعقل فقد تُعرَف وقد لا تُعرَف، فليست معرفتُه بالعقل ممتنعةً، ولا هي أيضًا واجبةٌ. وأما المتفلسفةُ فتُثبتُ المعادَ بالعقلِ، وتُثبِت التكليفَ العقلي، وأما ما جاء به السَّمع من المعاد والشرائع فلها فيه تأويلاتٌ محرَّفةٌ.
فصارت الأقسام في الإيمان باليوم الآخر وفي العمل الصالح: هل هو معلومٌ بالشرع وحدَه أو بالعقل وحدَه أو يُعلَمُ بكل منهما؟ فيه هذا الخلاف بين أهل الأرض. وإن كان الصواب أن ذلك معلومٌ جميعُه بالشرعِ قطعًا، وقد يُعلَم بعضه [بالعقل].
بل مثل هذا الخلاف ثابتٌ في معرفة الله تعالى، لكن التجاء المتكلمين هناك إلى العقل أكثر. وكثير من المتكلمين -كأكثر المعتزلة وكثير من الأشعرية- لا يُعلَم عندهم وجودُ الربِّ وصفاته إلا بالعقل، كما يزعمه الفلاسفة، مع اضطراب هؤلاء وآخرين في مقابلتهم.