للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الحديث: "مثل القلب مثل ريشةٍ مُلْقَاةٍ بأرض فلاةٍ" (١). وفي حديث آخر: "لَلقلبُ أشدُّ تقلُّبًا من القِدرِ إذا استجمعتْ غَلَيانًا" (٢). ومعلوم سرعة حركة الريشة والقدر مع الجهل. ولهذا يقال لمن أطاع من يُغويه: إنه استخفَّه. قال عن فرعون: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) (٣). وقال تعالى (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ (٦٠)) (٤)، فإن الخفيف لا يثبت بل يَطِيشُ، صاحب اليقين ثابت. يقال: أيقنَ، إذا كان مستقرًا، واليقين: استقرار الإيمان في القلب علمًا وعملًا، فقد يكون علم العبد جيّدًا، لكن نفسه لا تصبر عند المصائب بل تطيش. قال الحسن البصري: إذا شئت أن ترى بصيرًا لا صبرَ له رأيتَه، وإذا شئتَ أن ترى صابرًا لا بصيرةَ له رأيتَه، فإذا رأيتَ بصيرًا صابرًا فذاك. قال تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ (٢٤)) (٥).

ولهذا تُشبَّه النفس بالنار في سرعة حركتها وإفسادِها، وغضبُها وشهوتُها من النار، والشيطان من النار. وفي السنن (٦) عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "الغضب من الشيطان، والشيطان من النار، وإنما تُطفَأ النّارُ بالماء، فإذا غَضِبَ أحدُكم فليتوضأ". وفي الحديث الآخر (٧):


(١) أخرجه أحمد (٤/ ٤١٩) وابن ماجه (٨٨) من حديث أبي موسى الأشعري.
(٢) أخرجه أحمد (٦/ ٤) عن المقداد بن الأسود.
(٣) سورة الزخرف: ٥٤.
(٤) سورة الروم: ٦٠.
(٥) سورة السجدة: ٢٤.
(٦) أخرجه أبو داود (٤٧٨٤) وأحمد (٤/ ٢٢٦) عن محمد بن عطية السعدي عن أبيه مرفوعًا. وضعفه الألباني في "ضعيف سنن أبي داود" (ص ٤٧٥).
(٧) أخرجه أحمد (٣/ ١٩، ٦١) والترمذي (٢١٩١) عن أبي سعيد الخدري.=