للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر طائفة من المفسرين كالثعلبي وغيره قولين، قالوا -واللفظ للبغوي (١) -: "وسبّح بحمد ربك" أي صَلِّ بأمر ربك، وقيل: صلِّ له بالحمد له والثناء عليه. فهذا القول الأول الذي ذكره البغوي هو مأثور عن أبي مالك أحد التابعين الذين أخذ عنهم السُّدِّي التفسيرَ من أصحاب ابن عباس. وروى ابن أبي حاتم (٢) عن أسباط عن السدّي عن أبي مالك: قوله (بِحَمْدِ) أي بأمر. وتوجيه هذا أن قوله "بحمده" أي بكونه محمودًا، كما قد قيل في قول القائل "سبحان الله وبحمده"، قيل: سبحان الله ومع حمده أسبِّحه، أو أسبِّحه بحمدي له، وقيل: سبحان الله وبحمده سبَّحناه، أي هو المحمود على ذلك، كما تقول: فعلتُ هذا بحمد الله، وصلينا بحمد الله، أي بفضله وإحسانه الذي يَستحقُّ الحمدَ عليه. وهو يرجع إلى الأول، كأنه قال: بحمدِنا الله فإنه المستحق لأن نحمده على ذلك.

وإذا كان ذلك بكونه المحمود على ذلك فهو المحمود على ذلك، حيث كان هو الذي أمر بذلك وشرعه، فإذا سبَّحنا سبَّحنا بحمده، كما قال تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (٣) الآية. وقد يكون القائل الذي قال: "فسبح بحمد ربك" أي بأمره أراد المأمور به، أي سبّحه بما أمرك أن تُسبِّحه به، فيكون المعنى: سَبِّح التسبيحَ الذي أمركَ ربُّك به، كالصلاة التي أمرك بها. وقولنا "صليتُ بأمر الله" و"سبَّحتُ بأمر الله" يتناول هذا وهذا، يتناول أنه أمرَ بذلك ففعلتُه بأمرِه لم أبتدعْه، وأني فعلتُ بما أمرني به لم أبتدعْ.


(١) معالم التنزيل (٣/ ٢٣٦).
(٢) لا يوجد النص في تفسيره المطبوع.
(٣) سورة آل عمران: ١٦٤.