للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لصلبه غلط، لا يدلُّ عليه اللفظُ ولا المعنى، ومن ادّعاه فقط أخطأ خطأً بيِّنًا (١).

والصواب أيضًا أن كونهم أسباطًا إنما سُمُّوا به من عهد موسى للآية المتقدمة، ومن حينئذٍ كانت فيهم النبوة، فإنه لا يُعرَف أنه كان فيهم نبيّ قبلَ موسى إلا يوسف. ومما يؤيِّد هذا أنّ الله تعالى لما ذكر الأنبياء من ذرية إبراهيم قال: (وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ) الآيات (٢)، فذكر يوسف ومن معه، ولم يذكر الأسباط، فلو كان إخوةُ يوسف نُبِّئوا كما نبئَ يوسف لذُكِروا معه.

وأيضًا فإن الله يذكر عن الأنبياء من المحامد والثناء ما يناسب النبوة، وإن كان قبل النبوة، كما قال عن موسى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ) (٣) الآية، وقال في يوسف كذلك، وفي الحديث: "أكرم الناس يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، نبيّ من نبي من نبي" (٤). فلو كانت إخوتُه أنبياء كانوا قد شاركوه في هذا الكرم، وهو تعالى لما قصَّ قصَّةَ يوسف وما فعلوا معه ذكر اعترافهم بالخطيئة وطلبهم الاستغفار من أبيهم، ولم يذكر من فضلهم ما يناسب النبوة، ولا شيئا من خصائص الأنبياء، بل ولا ذكر عنهم توبةً باهرةً كما ذكر عن ذنبه دون ذنبهم، بل إنما حكى عنهم الاعتراف وطلب الاستغفار. ولا ذكر سبحانه عن أحدٍ من الأنبياء -لا قبلَ النبوة ولا بعدها- أنه فعلَ مثلَ هذه الأمورِ العظيمة، من عقوق الوالد وقطيعةِ الرحم وإرقاقِ المسلم


(١) انظر من قال بذلك في "الحاوي للفتاوي" للسيوطي (١/ ٣١٠).
(٢) سورة الأنعام: ٨٤ وما بعدها.
(٣) سورة القصص: ١٤.
(٤) أخرجه البخاري (٣٣٨٢، ٣٣٩٠، ٤٦٨٨) عن ابن عمر بنحوه.