للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المال حظٌّ، والمسئولُ عن التخليط فيه هو السلطان، كما قال عبد الله ابن مسعود: لكَ المَهْنَاُ وعليه المأثمُ لما لم تعلم الشيءَ بعيِنه حرامًا.

ومعنى قولِ ابن مسعود هذا قد اجتمع عليه العلماءُ ما لم تعلم الشيءَ بعينه حرامًا مأخوذًا من غير حبِّه، كالخبزة وشِبْهها من الطعام والثوب والدائة، وما كان مثل ذلك كله من الأشياء المبيعة غصبًا أو سرقةً، أو مأخوذة بظلمٍ بَينٍ لا شبهةَ فيه، فهذا الذي لم يَختلِف أحدٌ في تحريمه وسقوطِ عدالة مستحل الحلّة وأخذه وتملكه، وما أعلمُ أحدًا من علماء التابعين تورَّع عن جوائز السلطان إلا سعيد بن المسيب بالمدينة ومحمد بن سيرين بالبصرة، وهما قد ذهبا مثلا بالورع، وسلك سبيلَهما في ذلك أحمد بن حنبل وأهلُ الزهد والورع والتقشف رحمة اللهِ عليهم أجمعين.

والزهد في الدنيا من أفضل الفضائل، ولا يَحِل لمن وفَقه الله تعالى وزَهِد فيها أن يُحرم ما أباحَ اللهُ منها. والعجب من أهل زماننا يعيبون الشهواتِ وهم يستحلُّون المحرماتِ والمنكرات، ومثالُهم عندي كالذين سألوا عبدَ الله بن عمر عن المُحرِم يَقتُل القُرادَ والقملة، فقال للسائلين: مِن أين أنتم؟ فقالوا: من أهل الكوفة، فقال: تسألونّي عن هذا وأنتم قتلتم الحسين بن علي؟!

وروى عبد الله بن عمر عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه قال: "ما أتاك من غيرِ مسألة فخُذْه، وتَموَّلْه" (١).

وروى أبو سعيد الخدري وجابر بن عبد الله عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - معناهُ (٢)،


(١) أخرجه البخاري (١٤٧٣، ٧١٦٣، ٧١٦٤) ومسلم (١٠٤٥).
(٢) لم أجد حديثهما، وفي الباب عن غيرهما من الصحابة، انظر "مجمع الزوائد" (٣/ ١٠٠ - ١٠١).