أهل الكتاب الحربيين على أداء الجزية على الشروط التي قدمنا أو على الجلاء، أو أمّن سائر الكفار على الجلاء بأنفسهم وعيالهم وذراريهم، وترك بلادهم، واللحاق بأرض حرب أخرى، لا بأرض ذمة ولا بأرض إسلام، أن ذلك لازم لأمير المؤمنين ولجميع المسلمين حيث كانوا.
قلت: ظاهر مذهب الشافعي أنه لا يصحُّ عقدُ الذمَّة إلا من الإمام أو نائبه. وهذا هو المشهور عند أصحاب أحمد، وفيه وجه في المذهبين أنها تصحّ من كلّ مسلم كما ذكره ابن حزم.
قال: واتفقوا أن أولاد أهل الجزية ومن تناسَل منهم، فإن الحكم الذي عقده أجدادُهم -وإن بعدوا- جارٍ على هؤلاء لا يحتاج إلى تجديده مع من حدث منهم.
قلت: هذا هو قول الجمهور، ولأصحاب الشافعي وجهان: أحدهما يُستأنف له العقد، وهذا منصوص الشافعي، والثاني لا يُحتاج إلى استئناف عقد، كقول الجمهور.
قال: واتفقوا على أنه لا يجوز أن يكون على المسلمين في وقتٍ واحد في جميع الدنيا إمامان، لا متفقان ولا مفترقان، لا في مكانين ولا في مكانٍ واحد.
قلتُ: النزاع في ذلك معروف بين المتكلمين في هذه المسألة، كأهل الكلام والنظر، فمذهب الكرّامية وغيرِهم جواز ذلك، وأن عليَّا كان إمامًا ومعاوية كان إمامًا. وأما أئمة الفقهاء فمذهبهم أن كلَاّ منهما ينفذ حكمه في أهلِ ولايته كما ينفذ حكم الإمام الواحد. وأما جواز العقد لهما ابتداء فهذا لا يُفعل مع اتفاق الأمة، وأما مع تفرقتها فلم يعقد كلٌّ من الطائفتين لإمامين، ولكن كل طائفة إْمّا أن تُسالِمَ