للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله الصم البكم الذين لا يعقلون (٢٢) ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون (٢٣)) (١). فهؤلاء لا خير فيهم يقبلون الحق به إذا فهموا القرآن، فهو سبحانه لا يُفهِمهم إياه، ولو علم فيهم خيرًا لأفهمهم إياه، ولمّا لم يكن فيهم خير فلو أفهمهم إياه لتولّوا وهم معرضون، فيحصل لهم نوع من الفهم الذي يعرفون به الحق، لكن ليس في قلوبهم قصدٌ للخير والحق وطلبٌ له، فلا يعملون بعلمهم ولا يتبعون الحق.

وقد بسط الكلام على هذا في مواضع، وبُيِّن أن مثلَ هذا العلم والفهم الذي لا يقترن به العمل بموجبه لا يكون تامًّا، ولو كان تامًّا لاستلزم العمل، فإن التصوِر التام للمحبوب يستلزم حبَّه قطعًا، والتصوّر التام للمخوف يوجب خوفه قطعًا، فحيث حصل نوع من التصور ولم تحصل المحبة والخوف لم يكن التصور تامًّا.

قال بعض السلف (٢): من عرف الله أحبَّه. ولهذا قال السلف: كل من عصى الله فهو جاهل. وقال ابن مسعود وغيره: كفى بخشية الله علمًا، وكفى بالاغترار بالله جهلاً (٣). وقيل للشعبي: أيها العالم! فقال: إنما العالم من يخشى الله (٤). وهذا مبسوط في مواضع.


(١) سورة الأنفال: ٢٢ - ٢٣.
(٢) روي عن عتبة الغلام (كما في "الحلية" (٦/ ٢٣٦ و ١٠/ ٨١)، وعن الحسن البصري (كما في "الزهد" لأحمد ص ٢٧٩)، وعن بديل (في "الزهد" لابن المبارك ص ٢٠٩ و"الحلية" ٣/ ١٠٨).
(٣) أخرجه أحمد في "الزهد" ص ١٥٨ وابن المبارك في "الزهد" ص ١٥ عن ابن مسعود.
وأخرجه الدارمي (٣٨٩) وأبو نعيم في الحلية (٢/ ٩٥) عن مسروق.
(٤) انظر: "جامع بيان العلم" لابن عبد البر (١/ ٥٣٨).