للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني: هَبْ أنه جعل أعلاه أسفله، أو أنّ ذلك هو المستحب - كما هو أحد قولَي الفقهاء - لكونه همَّ بذلك وتركَه للعُسْر، وأيُّ شيء في جعلِ أسفلِ الرداءِ أعلاه مما يدلّ على أن الله ليس هو العلي الأعلَى، وأنه ليس هو فوقَ العالم؟ أو أيُّ شيء في ذلك ما يُبطِل أدلةَ القائلين بذلك أو يُعارِضها؟ وهذا جواب عن هذا، وعن توجيهِ اليدين إلى الأرض إن قيل (١): إنه فعل ذلك. وسنبيِّن حقيقةَ ما فعلَه، فإن غاية ما يُقدِّر المقدِّر أنه وجه وجهَه ويَدَيْه إلى الأرض وجعلَ أعلى ردائِه أسفلَه، فليس في بني آدم من يقول: إنه قصدَ بذلك أن الله في الأرض دون السماء، فإن هذا لا يقوله لا مؤمن ولا كافر، ولا مُثبِت ولا منافق، بل جميعُ الخلق متفقون على أنّ الأرض ليست مختصَّة به دون السماء، بل الجهمية تقول: لا فرقَ بين الأرض والسماء، ثم تارةً يقولون: إنه بذاته في الأرض والسماء كما يقوله الحلولية والاتحادية، منهم أكثرُ عُبَّادِهمٍ وعوامِّهم الذين يَدَّعون التحقيقَ والتوحيد من صوفيتهم. وتارة يقولون: بل ليس هو داخلَ العالم ولا خارجَه البتة، ولا فوقَ العرش، ولا في السماء ولا في الأرض، وهذا قول نُظَّارِهم ومتكلميهم.

فإذا قُدِّرَ أنّ النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قصدَ التوجهَ إلى الأرض دون السماء، لم يقل أحدٌ: إنَّ ذلك يدلّ على أن الله في الأرض دون السماء، بل غايةُ ما يقال: يَبْطُل استدلالُ من يَستدِلُّ برفع اليدين أنه فوق


(١) في الأصل: "أي قيل" تحريف.