العالم. وسنتكلم على ذلك ونبيِّن أنه لا يَبطُل هذه الدلالة، وبتقدير أن يَبْطُل هذا الدليلُ المعيَّن لا يَبْطُلُ المدلولُ عليه، فنَفْرِضُ أن رفعَ اليدين لا يدل على هذه المسألة، فأدلتها السمعية والعقلية أكثر من أن تُسَطَّر هنا، وفي القرآن نحو ثلاثمائة موضع يدل على ذلك، والأحاديث والآثار في ذلك أشهرُ وأظهرُ من أن تُذكرَ هنا مع الأدلة العقلية، كما قد بسط في غير هذا الموضع (١).
ثم يُقال: هَبْ أنه يَبْطُل الاستدلالُ برفع اليدين، فأي شيء أدخلَ تحويلَ الرداءِ في ذلك؟ فإنّا ما علمنا أحدًا استدلَّ بتحويل الرداءِ على أن الله فوقُ حتى تَبطُلَ دلالتُه، فعُلِمَ أن إدخال هذا في هذه المسألة جهالةٌ واضحة، وإنما يُعرَف عن طائفة من المتجهمةِ المنتسبين إلى الحديث أنهم يذكرون رفعَ اليدين، وأما تحويل الرداء فما علمتُ لذكره وجهًا.
الوجه الثالث: أن يقال: ما ذكره المستدلُّ إن كان فيه حجة
فهي عليه لا له، وذلك أنّ عَائبَنا يقولْ إن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جعل أعلى ردائه أسفلَه، أو أنّ ذلك هو المستحب، فيقال له: إن لم يكن في هذا التحويل دليلٌ على مسألة العلوّ بنفي ولا إثباتٍ فلا حجة لك فيه، وإن كانت فيه حجةٌ فثبتَ بحجةٍ على أن الله في العلو، لأنه جعل أسفلَه أعلاه، فيكون قد قصدَ توجيهَ ردائِه إلى ما فوق كما وَجَّهَ قَلْبَه، كما سنذكره إن شاء الله، وهذا مناسب، وهو لا يُمكِنُه
(١) انظر مجموع الفتاوى (٥/ ١٢،١٥،٥٤ - ٥٨،١٦٤ - ١٧٨،٢٢٦ - ٢٢٧).