للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

انقطع عملُه إلاّ من ثلاثٍ: صدقة جارية، أو علم يُنتفَع به، أو ولد صالح يدعو له". فهنا خصّ الولد بالذكر لأنه استثناه من عمل الميت، وولُده من كَسْبِه، كما قال تعالى: (مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ (٢)) (١) وإن ولده من كَسْبه. وقد قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - للرجل الذي قال له: إن أبي أراد أن يجتاحَ مالي، فقال: "أنت ومالك لأبيك" (٢). وقد قال تعالى: (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (٤٩)) (٣)، فَجعل الولد موهوباً للوالد، فجعل بيت الولد بيت الرجل في قوله تعالى: (وَلا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ) (٤) ولم يذكر بيوت الأولاد، لأن بيت ولدك بيتك، وهذا الحكم مختص بالأب فإنه المولود له، كما قال تعالى: (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (٥).

فلما كان الولد من كسب الوالد استثناه من عملِه المنقطع، كما استثنى ما ينفق من الصدقة والعلم النافع، وهذا مما احتج به من يقول: إن مال الابن للوالد بمنزلة المباح، فيُهْلِكُ منه ما لا يضرُّ بولده. وهذا الحديث لا يدل على أن غير الولد لا ينفع دعاؤه


(١) سورة المسد: ٢.
(٢) أخرجه، ماجه (٢٢٩١) عن جابر بن عبد الله، وفي الباب عن جماعة من الصحابة خرَّج أحاديثهم وتكلَّم عليها الألباني في "إرواء الغليل" (٨٣٨) وصحَّحها.
(٣) سورة الشورى: ٤٩.
(٤) سورة النور: ٦١.
(٥) سورة البقرة: ٢٣٣.