ومنهم من يظن أنه من وصل إلى مشاهدة هذه الحقيقة سقط عنه الأمر والنهي الشرعيان، ومنهم من قد يتوهم أن وجود الخالق هو المخلوق فيقع في وحدة الوجود، فيكون في أول أمره يقول (١):
الربُّ حقّ والعبد حقّ يا ليتَ شِعْرِيْ مَنِ المكلَّفْ
إن قلتُ عبدٌ فذاك ربٌّ أو قلت ربّ أنَّى يُكَلَّفْ
وفي آخر أمره يقول: فالآمر الخالق المخلوق، والآمر المخلوق الخالق، والعلم والعالم هويته وصورته، وهو الموصوف بكل مدح وذم وكل جمال وكل نقص، وأمثال ذلك مما قد عُرِفَ من كلام هؤلاء الملحدين الذين يقولون من الكفر ما لم يقله اليهود ولا النصارى ولا عُبَّاد الأصنام، ويدَّعون أن هذا تحقيق وعرفان وتوحيد.
وأصل ذلك عدم الفرق بين ما يحبه ويرضاه وما لا يحبه ولا يرضاه، وإن كان قد قدَّره وقضاه، فيجعلون المخلوقات متساوية، ثم يسوُّون بين الخالق والمخلوق، ويجعلونه إياه، سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوًّا كبيرًا، ولهذا يُفرق بين عباد الله: بين العبد الذي عبد الله بقدرته ومشيئته وربوبيته، وبين العابد الذي عبد الله فعبده وحده لا يشرك به شيئا، وأطاع أمره الشرعي الديني، فالأول كقوله تعالى:(إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً (٩٣)
(١) انظر الكلام على البيتين وبيان ما فيهما من الإلحاد في "مجموع الفتاوى" (٢/ ١١١ - ١٢٠).