للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجعلوا الربً محتاجًا إلى عباداتهم، مفتقرًا إلى صدقاتهم، وإنهم يبغون ضره ونفعه، وهذا دين المشركين والنصارى، بل المؤمن يعلم أن كل ما يعمله من الخير مع أنبياء الله وأوليائه فإنما يطلب أجره من الله لا منهم، والمؤمنون الذين أولهم أبو بكر الصديق إنما يطلب أجر إيمانهم وهجرتهم وجهادهم وصدقاتهم من الله لا من - مخلوق، ولله يعملون لا لمخلوق، وقد قال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الحديث المتفق عليه (١): "إن أَمنَّ الناسِ عَليَّ في صحبته وذاتِ يدِه أبو بكر، ولو كنتُ متخذًا من أهل الأرض خليلاً لاتخذتُ أبا بكر خليلا".

قال تعالى: (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى (١٨) وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى (١٩) إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلَى (٢٠)) (٢).

وهذه الآية نزلت في الصديق (٣)، وإن كانت متناولة لغيره، فإنه قد يُرادُ بها قطعًا، وهي مما استدل به أهل السنة على أنه الأتقى، فيكون أكرم الخلق من هذه الأمة، كقوله (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (٤)، قالوا: ولا يجوز أن تكون نزلت في على دونه، لأن عليًّا عليه السلام كان فقيرًا في كفالة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَفَلَه لمَّا وقعتْ بمكة المجاعةُ، فبعث الله نبيه وعليٌّ عنده صغير في كفالته، فآمن به كما آمنت به خديجة، ولم يكن له مالٌ ينفقه عليه.


(١) البخاري (٣٩٥٤) ومسلم (٢٣٨٢) عن أبي سعيد الخدري.
(٢) سورة الليل: ١٧ - ٢٠.
(٣) انظر تفسير الطبري (٣٠/ ١٤٦) وابن كثير (٤/ ٥٥٦).
(٤) سورة الحجرات: ١٣.