للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تنفع إلا لمن أذن له، (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ)، (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى)، (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ (٢٦) لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (٢٧) يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى (٢٨)) (١).

ولهذا كان سيد الشفعاء - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا جاء الخلائق يوم القيامة يطلبون الشفاعة من آدم فيعتذر، ثم يطلبونها من نوح، ومن إبراهيم، ثم موسى، ثم من عيسى، فيقول: اذهبوا إلى محمد فإنه عبد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، قال: فأذهب إلى ربي، فإذا رأيت ربي خررتُ ساجدا، فأحمد ربي بمحامدَ يفتحها عليّ لا أُحسِنُها الآن، فيقول: أي محمد، ارفعْ رأسَك، قُلْ تُسمعْ، وسَلْ تُعطَه، فأشفع" (٢). فبين - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنه. إذا أتى ربه لا يشفع حتى يؤذن له، بل يبدأ بالسجود لله، والثناء عليه، فيأذن له ربه في الشفاعة.

وهذا باب واسع. فإنهم شبهوا الخالق بالمخلوق، وشبهوا المخلوق بالخالق، فجعلوا إهداء الهدية إلى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بمنزلة الهدية إلى الله، وكأنهم يتقربون إلى النبي كما يتقربون إلى الله، فجعلوا المخلوق كأنه الرب الغني عنهم المجازي لهم على أعمالهم،


(١) سورة الأنبياء: ٢٦ - ٢٨.
(٢) متفق عليه من حديث أنس وأبي هريرة ضمن حديث الشفاعة الطويل. انظر صحيح البخاري (٤٧١٢، ٧٥١٠ ومواضع أخرى) وصحيح مسلم (١٩٣، ١٩٤).