ففي هذه الأحاديث المعروفة عند علماء المسلمين أن الله كتب نُبوَّتَه وأظهرها بين خلقِ آدم وبين نفخ الروح فيه، كما ثبت في الصحيح (١) عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - -وهو الصادف المصدوق- أن خَلْقَ أحدكم يُجمَع في بطن أفه أربعين صباحًا، ثم يكون عَلَقَةً مثل ذلك، ثم يكون مُضْغَة مثل ذلك، ثم يُبعَث إليه المَلَك، فيؤمَر بأربعِ كلمات، فيقال: اكتبْ رزقَه وأجلَه وعملَه وشقيّ أو سعيد، ثمّ يُنفخ فيه الروحُ. قال: فوالذي نفسي بيده إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلاّ ذراع، فيسبق عليه الكتابُ فيعمل بعمل أهل النار، فيدخل النار، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينه وبينها إلاّ ذراعٌ، فيسبق عليه الكتابُ فيعمل بعمل أهل الجنة، فيدخل الجنة.
فبيّن - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذا الحديث الصحيح أنه بعد أن يخلق الجسد وقبلَ نفخِ الروح يُكتَب رزقُ العبد وأجله وعملُه وشقيّ أم سعيد.
وآدم هو أبو البشر، ومحمد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سيد ولد آدم، فكتب الله نبوتَه بعد خلقِ آدم وقبلَ نفخ الروحِ فيه. فأما قول القائل بين الماء والطين" فهذا الكلام باطل، فإن الماء هو بعض الطين، إذ الطين ماءٌ وترابٌ، ولم يكن آدم قطُّ بين الماء والطين، وإنما كان بين الروح والجسد، وكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حينئذٍ مكتوبًا عند الله خاتم النبيين.
وأما تبيّن ذاته وصفاتِه وجَعْلُ الله له نبيًّا ورسولاً فإنما كان حتى خَلَقَه، ونبّأه الله على رأس أربعين سنة، فأول ما أنزل الله عليه