للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعلى رأي هؤلاء: أي جعلته إلهًا فما جعلتَ معه إلهًا، إذ ما ثَمَّ غيرُه، فيجوز عندهم أن يُجعل كل شيء إلفا وما يكون قد جعل معه إلهًا، إذ ما ثمّ معه شيء آخر. فهؤلاء يجوزون عبادة الأصنام، كما صرَّح به صاحب "الفصوص"، وقال في فمن الحكمة النوحية: (وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (٢٢)) (١) لأن الدعوة إلى الله مكر بالمدعو، كأنّه ما عُدِم في البداية، فيُدعَى إلى الغاية ادعوا إلى الله. فهذا عين المكر، وقالوا في مكرهم: (لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً (٢٣)) (٢) لأنهم لو تركوهم لجهلوا من الحق بقدر ما تركوا من هؤلاء، فإن للحق في كل معبودٍ وجها، يَعرِفه من عرفَه ويَجهله من جَهله. كما قال في المحمديين: (*وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (٣)، وما قضَى الله بشيء إلاّ وقعَ. فالعارف يعرف من عبد، وفي أيّ صورة ظهر حتى عبد، وإن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة، والقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد عبد الله في كل معبود.

ولهم مثل هذا الكلام كثير. فمن كان قوله: إن عُباد الأصنام ما عبدوا إلاّ الله، وإنه لا يتصور أن يُعبَد إلاّ الله، وإن العابد هو المعبود، وإن الوجود هو عين الله= كيف يؤمن بقوله (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ)؟ وكيف يتصوَّر عنده أن يُنهَى أحدٌ عن أن يَجعل مع


(١) سورة نوح: ٢٢.
(٢) سورة نوح: ٢٣.
(٣) سورة الإسراء: ٢٣.